کان معاویة قد عقد الأمل على مصر،
وحین شعر بأنّ جمیع خططه
ستخیب بذهاب مالک إلیها، قضى علیه قبل وصوله إلیه حیث بعث
إلى
الجایستار (رجل من أهل الخراج) أنّ الأشتر ولّیَ مصر، فإنْ أنت
کفیتنیه لم آخذ
منک خراجاً ما بقیت، فاحتَلْ له بما قدرت علیه، فخرج
الجایستار حتّى أتى القلزم
(مدینة السویس حالیّاً) وأقام بها، وخرج
الأشتر من العراق إلى مصر، فلمّا انتهى
إلى القلزم استقبله الجایستار،
فقال له: هذا منزل وهذا طعام وعلف وأنا رجل من أهل
الخراج، فنزل
به الأشتر، فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتّى إذا طعم أتاه بشربة من عسل
قد جعل فیها سمّاً فسقاه إیّاه، فلمّا شربها مات وهکذا استُشهد لیث
الوغى، والناصر
الفرید لمولاه، بطریقةٍ غادرة، وعرجت روحه
المشرقة الطاهرة إلى الملکوت الأعلى.
ومن هنا الکلمة المشهورة الّتی
قالها معاویة حین بلغه موت الأشتر "لله
جنود من عسل". أمّا أمیر
المؤمنین علیه السلام فإنّه لمّا بلغه استشهاد
مالک حزن علیه حزناً شدیداً، حتّى
عَدَّ موته من مصائب الدهر، وأبّنه
فی خطاب قال فیه:
"ألا إنّ مالک بن الحارث قد
قضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقی ربّه،
فرحم الله مالکاً. لو کان جبلاً لکان فِنْداً ،
ولو کان حَجَراً لکان صَلْداً،
لله مالک! وما مالک؟ وهل قامت النساء عن مثل مالک؟
وهل موجودٌ
کمالِک؟".
وطار معاویة فرحاً باستشهاد مالک،
ولم یستطع أنْ یُخفی سروره، فقال
من فرط فرحه: کان لعلیّ بن أبی طالب یدان
یُمَنیان، فقُطعت إحداهما
یوم صفّین - یعنی عمّار بن یاسر - وقُطعت الأخرى الیوم،
وهو مالک
الأشتر